الاثنين، 16 فبراير 2009

يا عماد



نصري الصايغ



يا عماد، لماذا لم تتحول بعد إلى ذكرى؟
لماذا لم تستقر في المناسبة؟ ألم يمر عام كأنه دهر على استشهادك؟
متى ترتاح، وتقيم في صنم الذاكرة؟
لن...
لأنه شُبّه لنا، أنك غائب عنا، وأنك في مطارح الملكوت، وأنك في سكنى القيامة، وأنك أنهيت خدمتك بالدم.
لن...
لأنك ما زلت بيننا، بكل وضوح وعلانية، ولأنك، عندما كنت على منصة قيادتنا، لم نرك ولم نشاهدك، ولم تظهر علينا، لأنك كنت سرنا المدهش، لفمنا الحضاري، قامتنا المستترة التي ترى فلسطين، أقرب إلى القلب من قلوبنا.
لن...
لأنك، يا الذي هناك، لست هناك إلا قليلاً، ولأنك هنا بكل كثافة حضورك، صورتك الوحيدة، تحمل آلاف التعابير، لم نُحصِ إلا القليل منها، وما زلنا نستزيد صورتك الوحيدة قربانة العين إلى قداس الرؤيا.
لا...
لأنك يا عماد، عندما بحثنا عنك في الصلاة، وجدناك تكبّر في غزة، ولأنك، عندما وجدناك هناك، اكتشفنا أنك معنا، ولما انتظمنا معك في غيابك، أرسلتنا إلى حيث مكان قيامة الوطن.
من مثلك حتى الآن؟
يموتون، ويصيرون ذكرى.
يرحلون ويقيمون في الذاكرة، أو يتحولون إلى رخام من كلام.
أما أنت، فلا نُصب يتسع لك، ولا مكان يحدك، كأنك ملء الزمن الحاضر، دمك الزمن الآتي، لأن آيتك تكتمل ببقائك على قيد الحياة بعد موتك، إلى أن لا يحين أي موعد اعتدناه.
كنتَ...
لا يجوز إدخال الماضي عليك، فأنت ما زلت لذا، أنت، في اللغة، عبارة جديدة، فلا يقال، كنت معنا، كنت ثائراً، كنت وكنت، بل، أنت ستكون دائماً لأنك الآتي من انتصارات وصفت لها أبجدية القتال، ضد عدوٍ يُزال.
أمثالي الذين لم يعرفوك إلا بالسرّ، كلمة مبحوحة، تنتقل بالإشارة واللحم، من حقهم أن يكونوا هذا الماضي، ومن حقهم أن يدخلوا تاريخك، لأننا خارجه، نساوي الهزيمة.
أمثالي، من حقهم أن يرفعوا للشمس تحيتهم، ومن حقهم أن يقولوا للهواء، أطعنا، وأن يطلبوا من الريح أن تقف، وأن يقولوا للأرض ها نحن ذا، قادمون باسم عماد إلى الحرية.
أمثالي، من حقهم أن يرفعوا جباههم عالياً، وأن يصرخوا بملء حناجرهم وقبضاتهم وأحزانهم: ارفع رأسك يا أخي، ارفع رأسك يا أخي، فلقد ولد لنا اليوم مخلص، يدعى شعبا بقامة عماد.
أمثالي، من حقهم أن ينفضوا مذلة الهزيمة، وأحزان حزيران، ويُتم النكبة، وكارثة الغزوة، ومأساة الحروب الخاسرة، من حقنا يا عماد، أن نزهو ونفرح، وأن نضرب للنصر موعداً قريباً، من حقنا أن نجد مكاناً لنا، في صف المقاومة، لنساهم بما تبقى من زهيد السنوات، بقمح القلب وخبز الجباه، واغفر لنا اهتزاز سواعدنا.
ولكننا نعدك، أننا قادرون على التصويب بشكل جيد، والإصابة بلا خطأ، لأننا نعرف العدو، ولا نخافه، وكيفما صوّبنا أصبنا.
لا أقول لك إلى اللقاء في العام القادم، بل، إلى اللقاء ما دمنا قد تواعدنا، منذ الطلقة الأولى، أن نقيم عرس قانا، في الجليل، وأن نصلي ركعة الانتصارين في القدس.
انتظرنا هناك.. إننا عائدون..
ويا قدس، إننا قادمون.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009