الاثنين، 29 ديسمبر 2008

ثلاثية أطفال الحجارة

نزار قباني






بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاءوا كالقناديل
وجاءوا كالبشارة
قاوموا
وانفجروا
واستشهدوا
وبقينا دببا قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
قاتلوا عنا
إلى أن قتلوا
وبقينا في مقاهينا
كبصاق المحارة
واحد
يبحث منا عن تجارة
واحد
يطلب مليارا جديدا
وزواجا رابعا
ونهودا صقلتهن الحضارة
واحد
يبحث في لندن عن قصر منيف
واحد
يعمل سمسار سلاح
واحد
يطلب في البارات ثاره
واحد
يبحث عن عرش وجيش
وامارة
آه يا جيل الخيانات
ويا جيل العمولات
ويا جيل النفايات
ويا جيل الدعارة
سوف يجتاحك مهما أبطأ التاريخ
أطفال الحجارة
***
يا تلاميذ غزة
علمونا
بعض ما عندكم
فنحن نسينا
علمونا
بأن نكون رجالا
فلدينا الرجال
صاروا عجينا
علمونا
كيف الحجارة تغدو
بين أيدي الأطفال
ماسا ثمينا
كيف تغدو
دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير
يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب
إذا ما اعتقلوها
تحولت سكينا
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا
بأذاعاتنا
ولا تسمعونا
اضربوا
اضربوا
بكل قواكم
واحزموا أمركم
ولا تسألونا
نحن أهل الحساب
والجمع
والطرح
فخوضوا حروبكم
واتركونا
إننا الهاربون
من خدمة الجيش
فهاتوا حبالكم
واشنقونا
نحن موتى
لا يملكون ضريحا
ويتامى
لا يملكون عيونا
قد لزمنا جحورنا
وطلبنا منكم
أن تقاتلوا التنينا
قد صغرنا أمامكم
ألف قرن
وكبرتم
خلال شهر قرونا
يا تلاميذ غزة
لا تعودوا
لكتاباتنا ولا تقرأونا
نحن آباؤكم
فلا تشبهونا
نحن أصنامكم
فلا تعبدونا
نتعاطى
القات السياسي
والقمع
ونبني مقابرا
وسجونا
حررونا
من عقدة الخوف فينا
واطردوا
من رؤوسنا الافيونا
علمونا
فن التشبث بالأرض
ولا تتركوا
المسيح حزينا
يا أحباءنا الصغار
سلاما
جعل الله يومكم
ياسمينا
من شقوق الأرض الخراب
طلعتم
وزرعتم جراحنا
نسرينا
هذه ثورة الدفاتر
والحبر
فكونوا على الشفاه
لحونا
أمطرونا
بطولة وشموخا
واغسلونا من قبحنا
اغسلونا
لا تخافوا موسى
ولا سحر موسى
واستعدوا
لتقطفوا الزيتونا
إن هذا العصر اليهودي
وهم
سوف ينهار
لو ملكنا اليقينا
يا مجانين غزة
ألف أهلا
بالمجانين
إن هم حررونا
إن عصر العقل السياسي
ولى من زمان
فعلمونا الجنونا


***
يرمي حجرا
أو حجرين
يقطع افعى اسرائيل الى نصفين
يمضغ لحم الدبابات
ويأتينا
من غير يدين
في لحظات
تظهر ارض فوق الغيم
ويولد وطن في العينين
في لحظات
تظهر حيفا
تظهر يافا
تأتي غزة في أمواج البحر
تضيء القدس
كمئذنة بين الشفتين
يرسم فرسا
من ياقوت الفجر
ويدخل
كالاسكندر ذي القرنين
يخلع أبواب التاريخ
وينهي عصر الحشاشين
ويقفل سوق القوادين
ويقطع أيدي المرتزقين
ويلقي تركة اهل الكهف
عن الكتفين
في لحظات
تحبل أشجار الزيتون
يدر حليب في الثديين
يرسم أرضا في طبريا
يزرع فيها سنبلتين
يرسم بيتا فوق الكرمل
يرسم أما تطحن عند الباب
وفنجانين
في لحظات تهجم رائحة الليمون
ويولد وطن في العينين
يرمي قمرا من عينيه السوداوين
وقد يرمي قمرين
يرمي قلما
يرمي كتبا
يرمي حبرا
يرمي صمغا
يرمي كراسات الرسم
وفرشاة الألوان
تصرخ مريم يا ولداه
وتأخذه بين الأحضان
يسقط ولد
في لحظات
يولد آلاف الصبيان
يكسف قمر غزاوي
في لحظات
يطلع قمر من بيسان
يدخل وطن للزنزانة
يولد وطن في العينين
ينفض عن نعليه الرمل
ويدخل في مملكة الماء
يفتح أفقا آخر
يبدع زمنا آخر
يكتب نصا آخر
يكسر ذاكرة الصحراء
يقتل لغة مستهلكة
منذ الهمزة حتى الياء
يفتح ثقبا في القاموس
ويعلن موت النحو
وموت قصائدنا العصماء
يرمي حجرا
يبدأ وجه فلسطين
يتشكل مثل قصيدة شعر
يرمي الحجر الثاني
تطفو عكا فوق الماء قصيدة شعر
يرمي الحجر الثالث
تطلع رام الله بنفسجة من ليل القهر
يرمي الحجر العاشر
حتى يظهر وجه الله
ويظهر نور الفجر
يرمي حجر الثورة
حتى يسقط آخر فاشستي
من فاشست العصر
يرمي
يرمي
يرمي
حتى يقلع نجمة داوود
بيديه
ويرميها في البحر
تسأل عن الصحف الكبرى
أي نبي هذا القادم من كنعان ؟
أي صبي
هذا الخارج من رحم الأحزان ؟
أي نبات أسطوري
هذا الطالع من بين الجدران ؟
أي نهور من ياقوت
فاضت من ورق القران ؟
يسأل عنه العرافون
ويسأل عنه الصوفيون
ويسأل عنه البوذيون
ويسأل عنه ملوك الجان
من هو الولد الطالع
مثل الخوخ الأحمر
من شجر النسيان ؟
من هو هذا الولد الطافش
من صور الأجداد
ومن كذب الأحفاد
ومن سروال بني قحطان ؟
من هو هذا الباحث
عن أزهار الحب
وعن شمس الإنسان ؟
ومن هو هذا الولد المشتعل العينين
كآلهة اليونان ؟
يسأل عنه المضطهدون
ويسأل عنه المقموعون
ويسأل عنه المنفيون
وتسأل عنه عصافير خلف القضبان
من هو هذا آلاتي
من أوجاع الشمع
ومن كتب الرهبان ؟
من هو هذا الولد
التبدأ في عينيه
بدايات الأكوان ؟
من هو
هذا الولد الزارع
قمح الثورة
في كل مكان ؟؟
يكتب عنه القصصيون
ويروي قصته الركبان
من هو هذا الطفل الهارب من شلل الأطفال
ومن سوس الكلمات ؟
من هو ؟
هذا الطافش من مزبلة الصبر
ومن لغة الأموات ؟
تسأل صحف العالم
كيف صبي مثل الوردة
يمحو العالم بالممحاة ؟
تسأل صحف في أمريكا
كيف صبي غزاوي
حيفاوي
عكاوي
نابلسي
يقلب شاحنة التاريخ
ويكسر بللور التوراة ؟؟

السبت، 27 ديسمبر 2008

قصيدة غزة

احمد فؤاد نجم


شي لله يا الغزاوية
يا وجع الامة العربية
لا انتو حماس
ولا عباس
فلسطين هي القضية
شي لله يا غزاوية
شي لله وعلي دلعونا
حكمونا ولاد الملعونة
والاخر خانم وباعونا
للنخاس والصهيونية
شي لله يا الغزاوية
شي لله وانتو لوحديكو
الله ينصركو ويهديكو
ويدمر دولة اعاديكو
والايام اهي رايحه وجايه
شي لله يا الغزاوية
شي لله ولا عادش رجوع
ويا الخاين والجربوع
الاطفال ماتت م الجوع
والعطشان مش لاقي الميه
شي لله يا الغزاوية
شي لله علي احلي كلام
ناس تصحي
والامة تنام
يعني قفاك يصبح قدام
يا العربي
وتركب عربية
شي لله يا الغزاوية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

صرخة لغزة من بيروت، فمتى يصرخ كل العرب؟


كتب أمير قانصوه
يجتمع اليوم أكثر من عشرة آلاف طفل لبناني أمام مبنى الأسكوا في وسط بيروت، رافعين الصوت تضامناً مع أطفال غزة المحاصرين بالجوع والإرهاب والقتل الصهيوني.
صرخة يأمل هؤلاء الأطفال أن يسمعها العالم بمؤسساته الدولية وأنظمته السياسية، فيحن قلبه على الأطفال المقهورين والمعذبين، ليكسر الحصار الصهيوني المفروض على القطاع منذ نحو عامين ويسمح بدخول الأطعمة والأغذية والمحروقات لكي تعود الكهرباء الى المنازل والمستشفيات، وبالتالي الى أجهزة الإنعاش والتنفس فيها، لتعود الحياة الى مئات المرضى المهددة حياتهم بالموت بسبب توقف الكهرباء.

أكثر الذين يفهمون حقيقة ما يعاني منه الغزاويون، هم هؤلاء الأطفال اللبنانيون الذين اختبروا كل ما يعانيه أطفال غزة، من المجازر الجماعية الى استهداف المدارس ووسائل النقل اليها، الى الحصار البري والبحري والجوي ومنع كل وسائل الحياة من الوصول الى الناس.. وليس بعيداً عن الذاكرة العدوان الصهيوني ضد لبنان في تموز/ يوليو 2006، الذي حمل كل أشكال العدوان التي يتعرض لها القطاع.. حتى ان الحصار الذي فرضه العدو ضد لبنان استمر أكثر من شهر بعد توقف ما اصطلح على تسميته وقتها بالأعمال الحربية.
أهل غزة يملكون ـ كما اللبنانيون ـ من الإرادة ما يمكنهم من مواجهة الحصار وكسره، وقد أثبتوا ذلك، لكنهم لا يملكون جاراً كسوريا التي فتحت في عدوان تموز كل معابرها نحو لبنان، لتمر شحنات المواد الغذائية والطبية والمحروقات للمحاصرين، ودفعت من مواطنيها شهداء في سبيل كسر الحصار عن لبنان.
هؤلاء الأطفال الأبرياء هم أكثر من يعرف حقيقة ما يحصل في غزة، وهم أكثر من يدرك أن هذا العدو لديه من صفات الغطرسة والجبروت أكثر بكثير مما قد يسمح له بالرضوخ عند صرخة إنسانية، وهو الذي يرى مشهد الموت يتكرر.. لكنها صرخة تضامن موجهة الى العالم ليسمع ويرى، والى العرب الذين صمّوا آذانهم عن سماع أنات الجائعين والمقهورين والمعذبين. كما أنها صرخة للتاريخ من أطفال تركوا مقاعد دراستهم لينزلوا الى ساحات بيروت غاضبين، لعل أبناء غزة يجدون من يواسيهم.
فلو خرج مثلهم كل أطفال العرب يصرخون بوجه الطغاة الذين ينفذون الحصار أو يغطونه، فلا يعودون الى مدارسهم ومنازلهم قبل رفع الحصار عن غزة، فهل سيبقى هؤلاء الحكام صامتين كعادتهم؟

الانتقاد/ العدد 1320 ـ 2 كانون الاول/ ديسمبر 2008