الثلاثاء، 10 فبراير 2009

الجريح موسى الحسيني:

مقاوم بالسلاح والكاميرا



أمير قانصوه
الى اليوم لا زالت الكاميرا رفيقته وهو يلاحق الحدث، ليخطف بالعدسة لقطة تسجل للمستقبل. خمسة وعشرون عاماً، سجل خلالها موسى مئات الأحداث بالصورة، وأدخل الى أرشيف عمر هذه الأمة أحداث خالدة، وثقت من عمر المقاومة انتصارات ومن عمر العدو خيبات وهزائم لن تمحى.
كثيرة هي الأحداث التي حفظتها عدسة موسى، الا صورة واحدة لم يستطع التقاطها، حين انفجرت القذيفة قبل أن يضغط على زناد كاميرته، لكن جسده لا زال يحفظ تلك لواقعة من خلال ندوب الجراح التي أصيب بها جراء القذيفة التي استهدفته حين كان يقوم بمهمة صحفية عند الطرف الشرقي – الجنوبي للضاحية الجنوبية.
حكاية الجريح موسى الحسيني، هي حكاية مجاهد اتخذ من الكاميرا سلاحاً لمقاومة العدو وعملائه، واذا كان المثل يقول أن الصورة تعادل خمسين ألف كلمة، لا بد أن تصل خمسين ألف رصاصة الى العدو .. لذلك فهو يصوب بدقة وحين يلمع "الفلاش" وتظهر الصورة بينة، يكون قد أنجز المهمة.
كان موسى فتى صغيراً دون العاشرة من عمره حين أخذ الموت والده وحوّل شقيقه الأكبر الى عاجز نتيجة حادث سير، ما وضع مسؤولية العائلة على الوالدة التي احتضنتهم بعيونها وتنكبّت مشقات العمل حتى أمنّت لأولادها الرعاية الصحيحة.
تلقى موسى لبعض السنوات دروسه في القسم الداخلي لمدارس المقاصد، ومن نوافذها، أطل على قوافل الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا يتوجهون الى مقاومة العدو، وفي ملامح هؤلاء الشباب تعرف موسى الى القضية التي أخذته مقاوماً الى ثغور الجهاد في مواجهة العدو الصهيوني، ليحمل السلاح باكراً مقاوماً للاجتياح الصهيوني عند محور الليلكي وليكون من أوائل المدافعين عن الضاحية الجنوبية التي لم يجرؤ العدو على دخولها فبقيت عزيزة عصية على الاحتلال..
كان موسى الى جانب العشرات من رفاق الدرب الذين تعرف اليهم في مسجد الليلكي، وانطلق معهم في رحلة الجهاد من ثغر الى ثغر، والبندقية كما الكاميرا لا تحيد عن طريقها في مقاومة العدو الصهيوني.
نجحت المقاومة في فرض الانسحاب على العدو من العاصمة بيروت ومن محيط الضاحية ومن بينها كلية العلوم التي كان يتحصن بها قبالة حي الليلكي ، وكعادة العدو في زرع بذور الفتنة قبل فراره سلم كلية العلوم الى عملائه فوقفت المقاومة مجدداً في وجههم دفاعاً عن أحياء الضاحية وسكانها الذين كانوا ينشدون الأمان.
في تلك الأيام انضم موسى الى أسرة جريدة العهد، الصوت الاعلامي الأول للمقاومة والتي رافقتها منذ لحظة انطلاقتها، اقتناعاً منه بأن لا بد للمقاومة من صوت الى جمهورها يقدم لهم الحقائق ويفضح ممارسات العدو وميلشياته..
وقد شاء القدر أن يذهب موسى الى للتصوير في "محور الليلكي" ـ كان ذلك في العام 1989 ـ لينقل حقيقة ما تعانيه الأحياء الواقعة على خط التماس مع الميلشيات الموالية لـ"اسرائيل" من آثار القصف والقنص والاهمال والحرمان، وخلال تلك المهمة الاعلامية سقطت القذيفة بالقرب من موسى فتناثرت شظاياها ليطال بعضها قدميه وتصيبه بجراح لا زال يعاني منها حتى اليوم.. وخلفت له ندوباً قاسية لكنها لم تمنعه من اكمال مسيرته الجهادية في الاعلام الذي يرفع راية المقاومة.. وربما هي الجراح التي جعلته أكثر اصراراً وجرأة على الحضور في أماكن الخطر لينجز أي مهمة صحفية متحدياً الصعاب. وهكذا فعندما كانت تتطلب المهمة الصحفية رحلة الى قرى المواجهة مع العدو خلال سنوات احتلاله للشريط الحدودي في الجنوب كان يتقدم اليها موسى كما هو الحال عندما تكون المهمة في محاور المقاومة للقاء مع المجاهدين المرابطين في مواجهة العدو.
واكب المصور الجريح موسى الحسيني خلال سنوات عمله الطويلة التي امتدت على مدى أكثر من ربع قرن مختلف الاحداث وكان شاهداً على كل ما مرّ على مناطقنا من العدوان ونيرانه كما في عدوان الايام السبعة في العام 1993 حيث كان الى جانب المجاهدين والصامدين في خنادق اقليم التفاح.
اهتمامه بأحداث المقاومة وكل الفعاليات والنشاطات التي ينظمها حزب الله لم يمنعه من الاهتمام بشؤون الناس المحرومين، حيث كان يصور المناطق المحرومة ويجري التحقيقات في البقاع والجنوب فضلاً عن العاصمة والضواحي.. وسافر في مهام صحفية الى افريقيا والى عدد من الدول العربية.
لقد شاء موسى كما شاء الله له أن يستبدل في عدوان تموز 2006 الكاميرا والعدسة بالسلاح ليقف في مقاومة العدوان الصهيوني في الجنوب، وليعود من هناك كواحد ممن حملوا وسام النصر المظفر.
الجريح موسى الحسيني مثال للمجاهد الجريح الذي حمل السلاح بيد وباليد الأخرى الكاميرا.. لتكون الصورة ألف ألف رصاصة في قلب العدو وشاهداً للحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يحجبها.