الجمعة، 30 مايو 2008

نصف عمري من وريقاتها

كتب أمير قانصوه:
انه نصف عمري أو أكثر.. أجده هنا في أوراق مكدسة على بعضها وقد اصفرّ لونها.. يمكنني أن أحسب كم بلغت اليوم من العمر. وفي مدوناتي هذه أرشيف موثق يصلني بما مضى.. أو ربما وأنا أدقق في الكلمات التي صغتها على حافة طريق محفر.. أو حين جرف فيضان الأمطار أثاث منازل في حي السلم.. أو كتبتها في مغارة على جبل صافي، وكانت آخر كلمات قالها لي المجاهد ساجد قبل ان يستشهد ويغدو اسمه فادي حمادة، او..‏
هنا كان السيد عباس يمضي الى أهله يشتمّ من بؤسهم وجه الكرامة، وهنا يغرق السيد بدمه ويؤذن من نعشه المحمول من بئر العبد الى النبي شيت لنصر يصنعه من مضى بركبه..‏
انها "العهد" وما بين صفحاتها وأعدادها وسنواتها.. عمر مضرج بحبر الدم وأوراق مرصوفة بصور لفتيان مضوا الى عزهم، وقادة انشغلوا بصنع حكاية خاصة بهذا الوطن..‏
ما بين العدد الاول في حزيران 1984 وآخر عدد يصدر على الورق تقرأ حكاية حزب ومقاومة.. أوراق قد تختصر زمناً بدأ مع وجه الشيخ راغب وفتوحات الحاج جواد والدم المظلوم في شوارع المدينة.. وراية السيد عباس ما بين شباط وتموز ونيسان، وسيف النصر بيد نصر الله في بنت جبيل.. الى تموز ونفير النصر الحاسم في شهادة عماد المقاومة..‏
إنها "العهد" التي كانت صنو المقاومة.. رفيقتها منذ تلونت بحبر الدم المسفوك.. وطبعت على قلوب أحبتها ونزلاء دربها.. يقرأون في صفحاتها حكايات مشغولة من وجع وقهر وأمل وانتصارات.‏
كم سيفتقد لها من حملته أسيراً الى معتقل الخيام.. فقط لأنه خبّأ بين طيات ملابسه نسخة من "العهد".. وكم سينتظر ذلك الشيخ في "شقرا" صباح كل يوم جمعة من يحمل له نسخة من "العهد" فيقرأها ويحيلها الى صندوق خشبي، هو أرشيف هذه الجريدة الذي لا يفرط به وكأنه كنز يخبئه لآخر العمر.‏
كم افتقدنا الى "العهد".. حين صار اسمها "الانتقاد".. فبقيت "العهد" على كل لسان وكأننا لم نكن نرغب أن نخرج من ثوب لبسناه بزة للجهاد، نلتقي بها مع حلم المقاومة وأمل مجاهديها..‏
واليوم حين نخرج من أوراق "العهد" او "الانتقاد" الى فضاء الاعلام المعاصر وعالم الشبكة العنكبوتية وكلماتها الفوارة او المكهربة كما يسميها الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل، فإننا نصبو الى بلوغ كل من يحب أن يقرأنا.. ان يرى مقاومتنا مرسومة بالحروف، أن نقفز فوق الرقابة التي لا تتيح لكلمة المقاومة ان تعبر الى فضاء إنسانها لعل عدوى الحرية تصيبه.. نريده أن يجدنا متى يريد هو.. دون أن ينتظر اجراءات الشحن والتوزيع والمكتبة وعامل توزيع الاشتراكات.. نريد ان نصل الى الشباب الذين أخذهم من أوراقنا الانترنت، فلحقنا بهم الى حيث هم.. لنبلغ "رسالات الله".‏
ربما من الصعب على الانسان أن يهجر بيتاً سكن فيه بعض عمره، فكيف يهجر كل عمره..‏
سنشتاق الى الاوراق الصفراء ورائحة حبر المطابع.. سنشتاق للجريدة.. ومرحباً بالانترنت.‏
الانتقاد/ العدد1269 ـ 30 ايار، مايو 2008‏