الاثنين، 16 فبراير 2009

يا عماد



نصري الصايغ



يا عماد، لماذا لم تتحول بعد إلى ذكرى؟
لماذا لم تستقر في المناسبة؟ ألم يمر عام كأنه دهر على استشهادك؟
متى ترتاح، وتقيم في صنم الذاكرة؟
لن...
لأنه شُبّه لنا، أنك غائب عنا، وأنك في مطارح الملكوت، وأنك في سكنى القيامة، وأنك أنهيت خدمتك بالدم.
لن...
لأنك ما زلت بيننا، بكل وضوح وعلانية، ولأنك، عندما كنت على منصة قيادتنا، لم نرك ولم نشاهدك، ولم تظهر علينا، لأنك كنت سرنا المدهش، لفمنا الحضاري، قامتنا المستترة التي ترى فلسطين، أقرب إلى القلب من قلوبنا.
لن...
لأنك، يا الذي هناك، لست هناك إلا قليلاً، ولأنك هنا بكل كثافة حضورك، صورتك الوحيدة، تحمل آلاف التعابير، لم نُحصِ إلا القليل منها، وما زلنا نستزيد صورتك الوحيدة قربانة العين إلى قداس الرؤيا.
لا...
لأنك يا عماد، عندما بحثنا عنك في الصلاة، وجدناك تكبّر في غزة، ولأنك، عندما وجدناك هناك، اكتشفنا أنك معنا، ولما انتظمنا معك في غيابك، أرسلتنا إلى حيث مكان قيامة الوطن.
من مثلك حتى الآن؟
يموتون، ويصيرون ذكرى.
يرحلون ويقيمون في الذاكرة، أو يتحولون إلى رخام من كلام.
أما أنت، فلا نُصب يتسع لك، ولا مكان يحدك، كأنك ملء الزمن الحاضر، دمك الزمن الآتي، لأن آيتك تكتمل ببقائك على قيد الحياة بعد موتك، إلى أن لا يحين أي موعد اعتدناه.
كنتَ...
لا يجوز إدخال الماضي عليك، فأنت ما زلت لذا، أنت، في اللغة، عبارة جديدة، فلا يقال، كنت معنا، كنت ثائراً، كنت وكنت، بل، أنت ستكون دائماً لأنك الآتي من انتصارات وصفت لها أبجدية القتال، ضد عدوٍ يُزال.
أمثالي الذين لم يعرفوك إلا بالسرّ، كلمة مبحوحة، تنتقل بالإشارة واللحم، من حقهم أن يكونوا هذا الماضي، ومن حقهم أن يدخلوا تاريخك، لأننا خارجه، نساوي الهزيمة.
أمثالي، من حقهم أن يرفعوا للشمس تحيتهم، ومن حقهم أن يقولوا للهواء، أطعنا، وأن يطلبوا من الريح أن تقف، وأن يقولوا للأرض ها نحن ذا، قادمون باسم عماد إلى الحرية.
أمثالي، من حقهم أن يرفعوا جباههم عالياً، وأن يصرخوا بملء حناجرهم وقبضاتهم وأحزانهم: ارفع رأسك يا أخي، ارفع رأسك يا أخي، فلقد ولد لنا اليوم مخلص، يدعى شعبا بقامة عماد.
أمثالي، من حقهم أن ينفضوا مذلة الهزيمة، وأحزان حزيران، ويُتم النكبة، وكارثة الغزوة، ومأساة الحروب الخاسرة، من حقنا يا عماد، أن نزهو ونفرح، وأن نضرب للنصر موعداً قريباً، من حقنا أن نجد مكاناً لنا، في صف المقاومة، لنساهم بما تبقى من زهيد السنوات، بقمح القلب وخبز الجباه، واغفر لنا اهتزاز سواعدنا.
ولكننا نعدك، أننا قادرون على التصويب بشكل جيد، والإصابة بلا خطأ، لأننا نعرف العدو، ولا نخافه، وكيفما صوّبنا أصبنا.
لا أقول لك إلى اللقاء في العام القادم، بل، إلى اللقاء ما دمنا قد تواعدنا، منذ الطلقة الأولى، أن نقيم عرس قانا، في الجليل، وأن نصلي ركعة الانتصارين في القدس.
انتظرنا هناك.. إننا عائدون..
ويا قدس، إننا قادمون.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009

الخميس، 12 فبراير 2009

نجدة أنزور يستعيد ملاحم المقاومة

«عملية الشهيد الحي» قريباً على الشاشة، بمشاركة عمّار شلق وبولين حدّاد وسليم علاء الدين وآخرين...


إنّه سبق صحفي مثير للاهتمام. المخرج السوري وصل إلى بيروت مطلع الأسبوع الحالي، لينجز فيلمه الجديد «لحظة وفاء» (عنوان مبدئي) من كتابة السيناريست السوري فتح الله عمر، وإنتاج «الجمعيّة اللبنانيّة للفنون ــ رسالات» في باكورة أعمالها التلفزيونيّة والسينمائيّة. الشريط تتوزع بطولته على عدد من الممثلين اللبنانيين بينهم: عمّار شلق وبولين حدّاد وسليم علاء الدين وسهير ناصر الدين، بمشاركة وفاء شرارة وعلي الزين وختام اللحّام. إذاً، دخل نجدة أنزور إلى عمق الجنوب اللبناني المحرّر في أيار (مايو) 2000، وتوقف طويلاً في منطقة النبطيّة وقرى حبّوش ودير ميماس والخردلي وصولاً إلى قلعة الشقيف. غير أنه لم يأت ليصوّر مشروعاً دراميّاً، عن عدوان تموز 2006 الذي ذكره مراراً في السابق، بل من أجل تجسيد العملية الاستشهاديّة النوعيّة التي نفّذتها المقاومة عام 1994 على طريق دير ميماس ـــ مرجعيون، وعُرفت بـ «عملية الشهيد الحي».نصل إلى موقع التصوير في حبّوش. هنا، الجميع في حالة استنفار: المخرج يعطي توجيهاته إلى فريق التصوير لأخذ مشاهد طبيعيّة، سيستخدمها أثناء المونتاج والميكساج، وفريق أجنبي مختصّ في المؤثرات البصريّة والتفجيرات يحضِّر لمشهد آخر. فيما الأبطال ينتظرون إشارة المخرج قبل مغيب الشمس. عند انتهاء المشهد، وبينما يُشغل الشباب بنقل المعدات، يعرب أنزور عن سعادته بتحقيق مسلسليه «الحور العين» و«الجوارح» مراتب متقدّمة في الإحصاء الأخير لـ«اتحاد المنتجين العرب». ثم يثني على إنتاج «الجمعيّة اللبنانيّة للفنون» لسلسلة أفلام تلفزيونيّة وسينمائيّة عن عمليات المقاومة، «تعطي صورةً واضحة عن هؤلاء المقاومين، وكيفيّة التخطيط لعملياتهم، لأنه لا يكفي السلاح من أجل الانتصار. التخطيط جزء أساسي من روح المقاومة»... آملاً أن يتوّج لاحقاً، بعمل ضخم عن انتصار 2006، لأنّ هذا الانتصار «لم يأت من فراغ بل نتيجة عمل طويل وعمليّات نوعيّة للمقاومة. وهو انتصار هز العالم لا الشارع العربي فحسب، كما أعاد الثقة إلى العرب بجدوى المقاومة».يتوقّف أنزور عند التسجيل الذي يصوّر العمليّة الأصليّة: «التصوير من بعيد لا يعطي الإبهار المطلوب. مع ذلك، يمكنك أن تشعر بعظمة ما حدث». ويشرح: «المعاينة على الأرض، تعطيك صورة أكثر وضوحاً عمّا تراه على الشاشة، ويتيح لك معرفة الإمكانات الهائلة التي تملكها المقاومة في التصدي لأي عدوان، وكيف يستطيع مقاوم أن يقطع الطريق على قافلة من الجنود الإسرائيليين يتجهون نحو القلعة (قلعة الشقيف)».ونسأل المخرج عن إسناد كتابة النص إلى سيناريست سوري: هل يمكن أن يفي العمل حقّه؟ يوافق أنزور على أنّ «الكاتب السوري ليس ابن البيئة الجنوبيّة. لذا، حرصَ عمر قبل كتابة الفيلم على الاطّلاع على تفاصيل العمليّة بحذافيرها. وبأسلوبه وتكنيكه، نجح في خلق حبكة دراميّة جيّدة، مبنيّة على وقائع في الدرجة الأولى. أضف إلى ذلك المكان والملابس والبيئة، إضافةً إلى أنّ الشباب وضعوا جميع إمكاناتهم اللوجستية والعسكريّة والفنيّة، ما يضفي مزيداً من الواقعية كي لا يبدو العمل عادياً وهزيلاً».يستغل أنزور المناسبة ليصوّب سهام نقده نحو «الدراما المصرية والسوريّة التي ترتكز على التطويل... هنا نحن في صدد فيلم عمدنا فيه إلى الاختصار والاعتماد على الأكشن، وأقوم بحذف أي مشهد لا يبدو مقنعاً. أظن أنّنا تمكنّا من تحقيق الشرط الفني والموضوعي». ويضيف: «هنا الإيقاع مشدود منذ اللحظة الأولى. وترصد الأحداث كيفيّة التخطيط للعملية قبل شهر واحد من تنفيذها، ويضيء على صبر المقاومين من أجل قطف الانتصار».ومن جهته، يرى عمّار شلق أنّ الصورة في الفيلم أنضج منها في مسلسل «زمن الأوغاد»، وخصوصاً أنّه يرصد عمليّة حصلت بالفعل، وجرت قولبته دراميّاً مع كاتب جيّد، ووضع المخرج أنزور تعديلاته من أجل لغة سينمائيّة خاصة به. ويؤدي شلق شخصيّة مصطفى وهو قائد المجموعة العسكريّة الذي سيضطر إلى تنفيذ العمليّة وحيداً وقد لُقِّب بـ«الشهيد الحي». ويكشف «أنني سألت عن طريقة عيش المقاومين، وكيف يفكرون قبل لقاء الشهادة، وخصوصاً في ظرف مقاوم تركَ عائلته وانخرط في صفوف المقاومة».تعوّل الشركة المنتجة «الجمعية اللبنانيّة للفنون ــ رسالات» الكثير على الفيلم، وقد استعانت بفريق أجنبي اشتغل في آخر أجزاء «جيمس بوند» للإشراف على تنفيذ المؤثرات والخدع البصرية». ويكشف مديرها علي ضاهر «أنّ الفيلم يأتي ضمن مروحة أعمال فنية تتنوع بين الأفلام الوثائقية والمسرح والسينما والموسيقى بالتوجّه نفسه»، مشدّداً على «أننا حرصنا على تأمين مختلف المستلزمات لظهور العمل على أفضل صورة».

رجال الحسم
يستعد نجدة أنزور لتصوير مسلسله الرمضاني «رجال الحسم» الذي كتبه فايز بشير في أولى تجاربه مع الكتابة الدراميّة وتنتجه شركة «الهاني» وقناة «أبو ظبي»، ويؤدي الأدوار الرئيسة فيه باسل خياط وفايز قزق ومنى واصف، إضافةً إلى نادين نجيم ملكة جمال لبنان السابقة ومايا نصري من لبنان. ويتوقف العمل في ثلاثين حلقة، عند الصراع مع العدو الإسرائيلي، أيام هزيمة 1967، ويضيء على الإحباط الذي عاشه المواطن العربي يومها، «ولا شك في أن جيل 67 يتذكر هذا الأمر جيداًَ». ويكشف أنزور أنّ «جميع العناصر باتت جاهزة لانطلاق عجلة التصوير في غضون أيّام».

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

الجريح موسى الحسيني:

مقاوم بالسلاح والكاميرا



أمير قانصوه
الى اليوم لا زالت الكاميرا رفيقته وهو يلاحق الحدث، ليخطف بالعدسة لقطة تسجل للمستقبل. خمسة وعشرون عاماً، سجل خلالها موسى مئات الأحداث بالصورة، وأدخل الى أرشيف عمر هذه الأمة أحداث خالدة، وثقت من عمر المقاومة انتصارات ومن عمر العدو خيبات وهزائم لن تمحى.
كثيرة هي الأحداث التي حفظتها عدسة موسى، الا صورة واحدة لم يستطع التقاطها، حين انفجرت القذيفة قبل أن يضغط على زناد كاميرته، لكن جسده لا زال يحفظ تلك لواقعة من خلال ندوب الجراح التي أصيب بها جراء القذيفة التي استهدفته حين كان يقوم بمهمة صحفية عند الطرف الشرقي – الجنوبي للضاحية الجنوبية.
حكاية الجريح موسى الحسيني، هي حكاية مجاهد اتخذ من الكاميرا سلاحاً لمقاومة العدو وعملائه، واذا كان المثل يقول أن الصورة تعادل خمسين ألف كلمة، لا بد أن تصل خمسين ألف رصاصة الى العدو .. لذلك فهو يصوب بدقة وحين يلمع "الفلاش" وتظهر الصورة بينة، يكون قد أنجز المهمة.
كان موسى فتى صغيراً دون العاشرة من عمره حين أخذ الموت والده وحوّل شقيقه الأكبر الى عاجز نتيجة حادث سير، ما وضع مسؤولية العائلة على الوالدة التي احتضنتهم بعيونها وتنكبّت مشقات العمل حتى أمنّت لأولادها الرعاية الصحيحة.
تلقى موسى لبعض السنوات دروسه في القسم الداخلي لمدارس المقاصد، ومن نوافذها، أطل على قوافل الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا يتوجهون الى مقاومة العدو، وفي ملامح هؤلاء الشباب تعرف موسى الى القضية التي أخذته مقاوماً الى ثغور الجهاد في مواجهة العدو الصهيوني، ليحمل السلاح باكراً مقاوماً للاجتياح الصهيوني عند محور الليلكي وليكون من أوائل المدافعين عن الضاحية الجنوبية التي لم يجرؤ العدو على دخولها فبقيت عزيزة عصية على الاحتلال..
كان موسى الى جانب العشرات من رفاق الدرب الذين تعرف اليهم في مسجد الليلكي، وانطلق معهم في رحلة الجهاد من ثغر الى ثغر، والبندقية كما الكاميرا لا تحيد عن طريقها في مقاومة العدو الصهيوني.
نجحت المقاومة في فرض الانسحاب على العدو من العاصمة بيروت ومن محيط الضاحية ومن بينها كلية العلوم التي كان يتحصن بها قبالة حي الليلكي ، وكعادة العدو في زرع بذور الفتنة قبل فراره سلم كلية العلوم الى عملائه فوقفت المقاومة مجدداً في وجههم دفاعاً عن أحياء الضاحية وسكانها الذين كانوا ينشدون الأمان.
في تلك الأيام انضم موسى الى أسرة جريدة العهد، الصوت الاعلامي الأول للمقاومة والتي رافقتها منذ لحظة انطلاقتها، اقتناعاً منه بأن لا بد للمقاومة من صوت الى جمهورها يقدم لهم الحقائق ويفضح ممارسات العدو وميلشياته..
وقد شاء القدر أن يذهب موسى الى للتصوير في "محور الليلكي" ـ كان ذلك في العام 1989 ـ لينقل حقيقة ما تعانيه الأحياء الواقعة على خط التماس مع الميلشيات الموالية لـ"اسرائيل" من آثار القصف والقنص والاهمال والحرمان، وخلال تلك المهمة الاعلامية سقطت القذيفة بالقرب من موسى فتناثرت شظاياها ليطال بعضها قدميه وتصيبه بجراح لا زال يعاني منها حتى اليوم.. وخلفت له ندوباً قاسية لكنها لم تمنعه من اكمال مسيرته الجهادية في الاعلام الذي يرفع راية المقاومة.. وربما هي الجراح التي جعلته أكثر اصراراً وجرأة على الحضور في أماكن الخطر لينجز أي مهمة صحفية متحدياً الصعاب. وهكذا فعندما كانت تتطلب المهمة الصحفية رحلة الى قرى المواجهة مع العدو خلال سنوات احتلاله للشريط الحدودي في الجنوب كان يتقدم اليها موسى كما هو الحال عندما تكون المهمة في محاور المقاومة للقاء مع المجاهدين المرابطين في مواجهة العدو.
واكب المصور الجريح موسى الحسيني خلال سنوات عمله الطويلة التي امتدت على مدى أكثر من ربع قرن مختلف الاحداث وكان شاهداً على كل ما مرّ على مناطقنا من العدوان ونيرانه كما في عدوان الايام السبعة في العام 1993 حيث كان الى جانب المجاهدين والصامدين في خنادق اقليم التفاح.
اهتمامه بأحداث المقاومة وكل الفعاليات والنشاطات التي ينظمها حزب الله لم يمنعه من الاهتمام بشؤون الناس المحرومين، حيث كان يصور المناطق المحرومة ويجري التحقيقات في البقاع والجنوب فضلاً عن العاصمة والضواحي.. وسافر في مهام صحفية الى افريقيا والى عدد من الدول العربية.
لقد شاء موسى كما شاء الله له أن يستبدل في عدوان تموز 2006 الكاميرا والعدسة بالسلاح ليقف في مقاومة العدوان الصهيوني في الجنوب، وليعود من هناك كواحد ممن حملوا وسام النصر المظفر.
الجريح موسى الحسيني مثال للمجاهد الجريح الذي حمل السلاح بيد وباليد الأخرى الكاميرا.. لتكون الصورة ألف ألف رصاصة في قلب العدو وشاهداً للحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يحجبها.

الجمعة، 6 فبراير 2009

خطوات الى النصر الحاسم



كتب أمير قانصوه
عندما خطا الشيخ راغب حرب خطواته الأخيرة في دروب جبشيت قبل أن تغتاله رصاصات العدو الغادرة، كان اطمأن الى أنه قد ترك خلفه مقاومة شجاعة وأبية، وشعبا لا يقبل المساومة والمصافحة والاعتراف، لم ولن يقدم يده إلى العدو بغير السلاح.
مضى الشيخ راغب إلى الشهادة، والناس إلى أولى انتصاراتهم على العدو عام 1985 بتحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الصهيوني، إلى حدود ما عُرف بالشريط الحدودي.
وعندما خطا الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي خطواته الأخيرة في الجنوب في 16 شباط/ فبراير عام 1992، كان أمامه مقاومون لم يتركوا هذا العدو يرتاح لحظة واحدة، كانوا يلاحقونه في المواقع والحصون، وينصبون له المكامن ويحيلون الأرض من تحته ناراً.
كان السيد عباس يدرك أن من نواجهه هو عدو جبان خائف، مصيره الزوال. وكان يملك يقين العارف بأن الرايات التي يرفعها المجاهدون فوق المواقع سترتفع فوق كل تلك الأرض.
استشهد السيد عباس مطمئناً إلى أن المقاومة التي روتها دماء الأطهار لن تسقط، وكانت الانتصارات المتتالية حتى التحرير في العام 2000.
سقطت "اسرائيل" كما كان يعبر سيد شهداء المقاومة، سقوطاً أعاد للأمة أملها بأن النصر هو رهن إرادتها، وإرادتها لن تتحقق من غير المقاومة، طريقاً وحيداً للانتصار النهائي والحاسم الذي لن يكون بعده شيء اسمه "اسرائيل".
هكذا كانت البشرى قبل عام من دم القائد الجهادي الحاج عماد مغنية، الذي لم يغادر ساحة الصراع مع العدو منذ أكثر من 29 عاماً، كان فيها في كل طلقة بندقية وفي كل عبوة وصلية مدفعية، كان في المقاومة مشعلاً يقود لواء التحرير، ويصنع الانتصارات ويكتب للعدو في كل ساحة هزيمة.
هكذا هو الحاج رضوان، رجل عُجن بطينة المقاومة، وقائد لا يعرف الكلل. في حياته كان عنوان القلق والخوف الذي يلاحق العدو في كل شبر من الأرض.. وحتى في شهادته فإن هذا الخوف والقلق لم يغادرا العدو، فظل عماد مغنية كابوساً يرسم للعدو هزائمه بين وادي الحجير وحي الزيتون، وبين عيتا الشعب وجباليا.
استشهد الحاج رضوان قبل عام بعدما أيقن أنه ترك رجالاً شجعاناً من طينة الشيخ راغب وإرادة السيد عباس، ومقاومة يقودها نصر الله، تخطو خطواتها بحكمة الى النصر الحاسم بعون الله.
الانتقاد/ العدد1332 ـ 6 شباط/ فبراير 2009

الأربعاء، 4 فبراير 2009

لاريون كبوجي .. أشهرك أميراً للمؤمنين


بقلم د. وليم نصار*

- بيلاطس: من أنت ؟
- إيلاريون ابن عز الدين القسام كبوجي.
- بيلاطس: ما مهنتك ؟
- كبوجي: مرتّل، حينا بالصنوج وأحيانا بالبندقية، أما صوتي فلا أطلقه إلا نادرا.
- بيلاطس: أنت متهم بالتخريب وتهريب الأسلحة، فماذا تطلب ؟
- كبوجي: لا أطلب شيئا سوى السماح لي بأن أسمعك ترتيلة:
لما رسمني الشهيد يسوع بن يوسف أسقفا على البطاح الفلسطينية هامسني قائلا:
"إيلاريون، إحمل جسدك على كفك واقصد الجياع للحرية علهم يفرحون. أسكب دمك في الكأس وناول المؤمنين."
أنا لم أحرض ولم أسرق ولا ساكنت شريرا.
أنا نفذ الخمر في كنيستي والرعية عطشى، فهرقت دمي ورويت.
وحكمت المحكمة بسجن إيلاريون كبوجي إثني عشر عاما، لأنها ضبطته يقدم جسده على المذبح خلافا لقوانين الدولة التي تنص على تقديم الكلام فقط.
... واليوم، يطلع الشاهد الفلسطيني، ينتشر غيمة، خبزا ورصاصة. يتكور فيصير قنبلة، ينبسط فيصير مظاهرة، يتطاول فيصير رمحا.
وفي غمرة التحولات العظيمة يدخل كل بيت حاملا القمح، مرتلا ما تيسر له من سورة الغضب، ترتيلا. يستدعي الجياع والصغار وورثة الأرض إلى مجلسه ليروي الحكاية.
يفترشون الأرض، راسمين في الجلوس خريطة فلسطين، يتربع وسطهم كالسهم ويحكي الحكاية:
قيل لكم أن الفلسطيني باع أرضه لليهود وفر خائنا. أما أنا فأقول لكم أنه شهر السلاح، ثورة تلو الثورة، منذ عشرينات القرن، ولما خرجت جيوش العرب مجتمعة واستحكم به الطغيان نزح حاسبا أنه عائد في شهر، كما وعدوه، وطال الشهر حتى حمل السلاح مجددا ليعود.
قيل لكم أن "إسرائيل" رؤوفة بالنصارى، تبسط لهم جناح الرحمة والحماية، تريدهم أعزة لا يسود عليهم أصولي مسلم. أما أنا فأقول لكم، إن "إسرائيل" رؤوفة بمن يهبها الأرض والمخلوقات، بطّاشة بمن تعاف نفسه الخيانة… تبسط الحماية لنفسها توطيدا لاحتلالها حتى تستسلم لها كل رقبة، ويرهب جانبها كل ذي نسمة.
أو لست أسقفا، رسما للمسيح وسط المؤمنين ؟ فلمَ طرحتني في الظلمة ورفعت علي السوط؟
أو ليس أبناء أقرت وكفر برعم نصارى ؟ فلماذا ذاقوا مر التهجير واكتووا بعذاب أليم؟
أو ليست كنيسة القيامة كبرى معابدنا، وحافظة قبر المسيح الرب(1) .. فلمَ استباحها الكلاب وهزأت بنات الهوى بأيقونة العذراء؟
قيل لكم بأن المقاومة عمل عبثي فباتت قصرا على بضعة أنفار يعبثون بالأمن ويحملون للناس الموت وجفاف الضرع...
أما أنا فأقول لكم، إن الثورة ليست رجلا، ولا سلاحا، ولا حجما يزيد أو ينقص.
إنها الصوت الفلسطيني في المخيمات، متى صدح بالحق استحالت سائر الأصوات نقيقا.
إنها النار الفلسطينية، لم يقربها كبير من كبار الدنيا ليعبث بها إلا وترمّد.
إنها مقياس الإنتماء الوطني والعروبي، الإسلامي والمسيحي في التاريخ العربي المعاصر…. عندها وحدها تسفر الوجوه وتنكشف السرائر.
إنها وحدها الفاصل بين الوطنية والخيانة... لذا فهي الأقوى، أقوى من حجمها، أقوى من أولياء أمورها مجتمعين.
وسكت إيلاريون، مرتقبا طلوع أول صباح خارج فلسطين..وسكت الجميع، إلا فتى رقيق الطلعة حدّق في وجه إيلاريون..حدّق طويلا، فرأى دمعا حادا وكآبة عروبية المذاق.
قام الفتى، نظر إلى المخيم وهو يحاول أن يداري دموعه.
حمل سلاحه الصغير...
ومشى.
(1) كلمة الرب باللغة الآرامية الكنعانية تعني المعلم وليس الاله او الخالق كما يعتقد الكثيرون.
____________

· الدكتور وليم نصار مؤلف موسيقي وناشط سياسي مقيم في المنفى.

· عضو اللجنة العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية 2009 ومنسقها العام خارج فلسطين المحتلة.